دراسات إسلامية

 

 

 

رجال صدقوا : الحسين بن علي

 

 

 

بقلم : معالي الدكتور محمد بن سعد الشويعر(*)

 

     الحسين بن علي رضي الله عنه، هو ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغم ما توسع في سيرته الكاتبون والباحثون، من الحديث في هذه السيرة العطرة، فإن حكاية مقتله قد طغت على ذلك كله، فالذهبي في سير أعلام النبلاء، استجمع سيرته، التي جاءت عنده في (41) صفحة، ومن (322)مرجعاً، والزركلي في الأعلام جمع ترجمة حياته من (13) مرجعاً، وهكذا الآخرون.

     ذلك أن مكانته من النفوس، قد استحوذت عليها الفجيعة بمقتله رضي الله عنه، ولذا طفت سيرته على أخباره العلمية، ومكانته على تتبع دوره في الإفتاء والإبانة والعلم، مع أنه من أبناء مدرسة النبوة.

     بدأ الذهبي ترجمته بقوله: الإمام الشريف الكامل، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وريحانته في الدنيا ومحبوبه، حدث عن جده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبويه: فاطمة وعلي، وصهره عمر وطائفة، وحدث عنه ولداه: علي وفاطمة، وعبيد بن حسين، وهمام الفرزدق، وعكرمة والشعبي وطلحة والعقيلي، وابن أخيه زيد بن الحسن، وحفيده محمد بن علي الباقر ولم يدركه، وبنته سكينة وآخرون.

     قال الزبير بن بكّار: مولده في خامس من شعبان، سنة أربع من الهجرة، وقال جعفر الصادق بين الحسن والحسين في الحمل طهر واحد، وجاء في فضائله: أن الحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم، من صدره إلى قدميه، كما جاء عند الذهبي.

     وقال عنه الزركلي في كتابه الأعلام: الحسين السبط بن علي بن أبي طالب، الهاشمي القرشي العدناني، الشهيد ابن فاطمة الزهراء، وفي الحديث: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) رضي الله عنه، ولد الحسين في المدينة، ونشأ في بيت النبوة، وإلى نسب كثير من الحسينيين) (الأعلام 2:12).

     والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم ولا مسلمة تصيبه مصيبة، وإن قدم عهدها، فيحدث لها استرجاعاً بأن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون إلا أحدث الله له عند ذلك، وأعطاه ثواب ما وعده به يوم أصيب بها).

     وجاء بسنده عن طلحة بن عبيدالله، عن الحسين بن علي رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمان أمتي من الفرق إذا ركبوا البحر، أن يقرأوا بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم) (أسد الغابة 2:21).

     وأورد الذهبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لنسائه: (لا تبكوا هذا) يعني حسيناً، فقال رسول الله لأم سلمة: (لا تدعي أحداً يدخل، فجاء حسين فبكى فخلته يدخل، فدخل حتى جلس في حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال جبريل: إن أمتك ستقتله، قال: (يقتلونه وهم مؤمنون)؟ قال: نعم واراه تربته.

     وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم، أتاه جبريل بتراب، والتربة التي يقتل بها الحسين، وقيل: اسمها كربلاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (كرب وبلاء).

     وقد قتل رضي الله عنه، يوم الجمعة، وقيل يوم السبت، وهو يوم عاشوراء في سنة إحدى وستين (بكربلاء) ودفن جسمه هناك، واختلف في موضع دفن الرأس، قيل دفن في دمشق، وقيل أعيد لكربلاء ودفن هناك، وقيل أرسل إلى المدينة، ودفن بالبقيع، وقيل غير ذلك.

     عده الكناني من فقهاء الصحابة في معجمه، وأورد له أكثر من إحدى عشر مسألة فقهية، ولم تشغله العبادة، ولا الانغماس في الصراع السياسي، ومناوأة بني أمية عن الانشغال بالفقه، وإبانة الرأي الصائب في الأمور الشرعية، لأن العبادة جزء من حياته، والفقه بالأمور الشرعية، هو المحور الذي تدور عليه العبادات، إذ أن العبادات لله عز وجل لا تكون إلا بالعلم، الذي هو أفضل ما يجب أن يشغل العبد به نفسه، حتى تكون العبادة عن معرفة، كما أوضح ذلك الشافعي رحمه الله في بيتين من الشعر.

     وقد روي أن الحسين بن علي رضي الله عنهما عن عائشة وابن عباس أن الحسين هو الذي تأصلت العداوة بسببه، بين بني هاشم وبني أمية، حتى ذهبت بعرش بني أمية، في حكاية ذكرها الزركلي في ترجمته.

     وقال ابن الأثير في كتابه أسد الغابة: وكان الحسين كارهاً لما فعله أخوه الحسن من تسليم الأمر إلى معاوية، وقال: أنشدك الله أن تصدق أحدوثة معاوية، وتكذب أحدوثة أبيك، فقال له الحسن: أسكت أنا أعلم بهذا الأمر منك. وكان الحسين رضي الله عنه فاضلاً كثير الصوم، والصلاة والحج، والصدقة وأفعال الخير جميعها. (2:21).

     ومن فضائله روى الأوزاعي عن شداد بن عبدالله قال: سمعت واثلة بن الأسقع، وقد جيء برأس الحسين فلعنه رجل من أهل الشام ولعن أباه، فقام وأثلة وقال: والله ما لا أزال أحب علياً، والحسن والحسين وفاطمة، بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول فيهم: ما قال لقد رأيتني ذات يوم، وقد جئت النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سلمة، فجاء الحسن وأجلسه على فخذه اليمنى وقبله، ثم جاء الحسين فأجلسه على فخذه اليسرى وقبله، ثم جاءت فاطمة فأجلسها بين يديه، ثم دعا بعلي ثم قال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»الأحزاب33 قال شداد قلت لواثلة: ما الرجس؟ قال: الشك في الله عز وجل.

     وقد اجتمع الحسن والحسين يوماً، فقال الحسن للحسين: وددت أن لي بعض شدة قلبك، فقال له الحسين: وأنا وددت أن لي بعض ما بسط من لسانك، ذلك أن الحسن كان بليغاً، والحسين كان شجاعاً ثابتاً، ومن مكانته في النفوس روي أن أبا هريرة كان مع الحسين في جنازة، فأقبل ينفض التراب عن قدم الحسين بثوبه (سير أعلام النبلاء 3: 287).

     وقد أخرج الطبراني عن مصعب بن الزبير: أن الحسين بن علي حج ماشياً خمساً وعشرين حجة، ومما روي عنه من الأحاديث ما رواه ابن الأثير بسنده عن فاطمة بنت الحسين أنها سمعت أباها يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو هريرة وميمونة أم المؤمنين قالوا إن الماء لا ينجسه شيء، وقد أوضح هذا ابن عباس عندما قال: أربع لا تنجس: الماء، والثوب والإنسان والأرض، وفي هذا قال عمر بن الخطاب: إن الله جعل الماء طهورا (معجم فقه السلف 1: 26).

     وفي الأحق بإمام الصلاة على الجنازة يرى سعيد بن الحسين: أن الأب والابن والأخ أحق بالصلاة على المرأة من الزوج، لأن عمر يرى: أن الوالي أحق من الزوج، ولذا لما حضرت جنازة، قدّم الحسين بن علي سعيد بن العاص على وليَ له، وقال: لولا أنها سنة ما قدمتك (معجم فقه السلف 3:8. وذلك بالإمامة في الصلاة عليه. ولما كان العصر من أوقات النهي، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجه بعد فتح مكة بعدم منع البيت من طائف أو مصل في ليل أو نهار، فكان أمره مطلقاً، ولذا روي أن الحسن والحسين رضي الله عنهما، وعبدالله بن عمر رضي الله عنهما، طافوا بعد العصر، وصلوا حينئذ بعد الطواف، وكذا فعل عبدالله بن الزبير رضي الله عنه بعد صلاة الصبح (معجم فقه السلف 3: 73) والصلاة هي ركعتان بعد الطواف.

     ولمن قرن الحج والعمرة قال الحسين بن علي: إذا قرنت بين الحج والعمرة، فطف طوافين واسع سعيين، وقد طبق هذا عملياً حتى يقتدي به الناس عندما قرن الحج والعمرة، في احدى السنوات، فقد طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة لعمرته، ثم قعد في الحجر ساعة، ثم قام فطاف بالبيت سبعاً، وبين الصفا والمروة سبعاً لحجه، ثم قال: هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم (المعجم 4:74).

     وكان الحسين رضي الله عنه، يأمر لأصحابه بالطيب عند الإحرام، وبمثل هذا كان يفعل عبدالله بن جعفر رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها، حيث تجعله في رأسها ومفارقها دون لباسها، وحجتهم في هذا ما روته عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، أحق أن تتبع (معجم فقه السلف 4: 80).

     وهكذا جميع مسائله الفقهية، رضي الله عنه كان يترسم فيها خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحرص على هديه، فرضي الله عن الحسين، لقد قال قبل قتله بلحظات: اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت فيما نزل بي ثقة، وأنت وليّ كل نعمة، وصاحب كل حسنة.

     يقول الزركلي في كتابه الأعلام: خرج من مكة في مواليه ونسائه ونحو الثمانين من رجاله، فنشب قتال عنيف فسقط عن فرسه وقتل رضي الله عنه. وللفيلسوف الألماني (ماربين) كتاب سماه السياسة الإسلامية أفاض فيه بوصف استشهاد الحسين وعد مسيره إلى الكوفة بنسائه وأطفاله سيراً إلى الموت، ليكون مقتله ذكرى دموية لشيعته رضي الله عنه.



(*)  مستشار سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس تحرير مجلة البحوث الإسلامية.

 

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، ذوالقعدة – ذوالحجة 1432 هـ = أكتوبر – نوفمبر 2011 م ، العدد : 12-11 ، السنة : 35